الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **
هم قوم من الترك مسيرة بلادهم أربعون يوماً وبلادهم آمنة ساكنة وفيهم نصارى. وهم صباح الوجوه يتزوج الرجل منهم بابنته وأخته وسائر محارمه وليسوا مجوساً لكن هذا مذهبهم ويعبدون سهيلاً والجوزاء وبنات نعش ويسمون الشعرى اليمانية رب الأرباب. وعندهم دعة لا يرون الشر وجميع قبائل الترك يطمع فيهم للينهم ودعتهم. ومأكولهم الشعير والجلبان ولحوم الغنم وليس في بلادهم الإبل ولا البقر ولباسهم الصوف والفراء لا يلبسون غيرها. وبها حجر الفادزهر ولا ملك لهم وبيوتهم من الخشب والعظام.
هم قوم من الترك بلادهم مسيرة عشرين يوماً وهم قوم أصحاب عقول وآراء صحيحة بخلاف سائر الترك. يتزوجون تزويجاً صحيحاً ولا ملك لهم بل كل جمع لهم شيخ ذو عقل ورأي يتحاكمون إليه. وليس لهم جور على من يجتاز بهم ولا اغتيال عندهم. ولهم بيت عبادة يعتكفون فيه الشهر والأكثر والأقل. ومأكولهم الشعير والجلبان ولا يأكلون اللحم إلا مذكى ولا يلبسون مصبوغاً. وبها مسك ذكي الرائحة جداً ما دام ي أرضهم فإذا حمل عنها تغير واستحال. وبها جبل فيه حيات من نظر إليها مات إلا أنها في ذلك الجبل لا تخرج عنه البتة. وبها حجر يسكن الحمى لكنه لا يعمل إلا في أرضهم وعندهم فادزهر جيد وعلامته أن فيه عروقاً خضراء وعندهم بقول كثيرة لها منافع. بلاد خرخيز هم قوم من الترك بلادهم مسيرة شهر. لهم ملك مطاع عالم بمصالحهم لا يجلس بين يديه إلا من جاوز الأربعين. ولهم كلام موزون يتكلمون به في صلاتهم ويصلون إلى جانب الجنوب. ولهم في السنة ثلاثة أعياد. ولهم أعلام خضر ينشرونها في الأعياد. ويعظمون زحل والزهرة ومأكولهم الدخن والأرز ولحوم البقر والغنم وغيرها إلا لحم الجمال. ولهم بيت عبادة وقلم يكتبون به. ولهم رأي ونظر في الأمور ولا يطفئون السراج بل يخلونه حتى ينطفيء بنفسه. بها حجر يسرج بالليل يستغنون به عن المصابيح.
قوم من الترك بلادهم مسيرة خمسة وعشرين يوماً. وهم أهل البغي والظلم يغير بعضهم على بعض والزنا عندهم ظاهر. وهم أصحاب قمار يقامر أحدهم صاحبه في زوجته وأخته وأمه وابنته فما داموا في مجلس القمار فللمقمور أن يفادي فإذا انفصلا عن مجلس القمار فقد حصل له ما قمر يبيعها من التجار كما يريد. ونساؤهم ذوات الجمال والفساد ورجالهم قليلو الغيرة: تأتي امرأة الرئيس وأخته إلى القوافل وتختار أحداً منهم وتمشي به إلى بيتها وتنزله عندها وتحسن إليه وزوجها وأقاربها يساعدونها ويتحركون في حوائجها وما دام الضيف عندها فان الزوج لا يدخل عليها. ومأكولهم الحمص والعدس ويتخذون من الدخن الخمر ولا يأكلون اللحم إلا مغمساً بالملح ولباسهم الصوف. ولهم بيت عبادة في حيطانه صور متقدمي ملوكهم والبيت من خشب لا تأكله النار ومن هذا الخشب في بلادهم كثير. بها معدن الفضة يستخرجونها بالزئبق وعندهم شجر يقوم مقام الاهليلج قائم الساق إذا طليت عصارته على الاورام الحارة أبرأها لوقتها. ولهم حجر أخضر يعظمونه ويذبحون له الذبائح تقرباً إليه. بها نهر فيه حيات إذا وقع عليها عين شيء من الحيوان غشي عليه.
هم جيل عظيم من الترك بلادهم خلف باب الأبواب الذي يقال له الدربند وهم صنفان: صنف بيض أصحاب الجمال الفائق وصنف سمر يقال لهم قرا خزر. وأبنيتهم خرقاهات إلا شيء يسير من الطين. ولهم أسواق وحمامات. ونزولهم على شط نهر آتل ولهم ملك عظيم يسمى بلك. وفيهم خلق كثير من المسلمين والنصارى واليهود وعبدة الأوثان. وإذا عرض لقوم منهم حكومة يبعثهم إلى حاكمهم والملك لا يدخل بينهم. ولكل قوم من الأقوام حاكم. ولملكهم قصر من الآجر بعيد من نهر آتل وليس لأحد بناء من الآجر إلا له. وحكي أن ملكهم لا يركب إلا في أربعة أشهر مرة وإذا ركب يكون بينه وبين الأجناد قدر ميل وإذا رآه أحد يخر ساجداً ولا يزال كذلك حتى يعبر الملك. وإذا بعث سرية فانهزمت قتل الهاربين كلهم ويحضر نساءهم وأولادهم وقماشهم يهبها لغيرهم ويقتلهم. وحكي ان ملكهم إذا جاوز الأربعين عزله أو قتله خاصته وقالوا: هذا قد نقص عقله لا يصلح لتدبير الملك! بلاد خطلخ هم قوم من الترك مسيرة بلادهم عشرة أيام وهم أشد شوكة من جميع قبائل الترك يغيرون على من حولهم ولهم رأى وتدبير في الأمور وينكحون الأخوات. والمرأة لا تتزوج إلا زوجاً واحداً فإن مات عنها لا تتزوج باقي عمرها. ومن زنى عندهم أحرقوا الزاني والمزني بها ولا طلاق لهم ومهر المرأة جميع ما يملكه الزوج ويأكلون الشعير والجلبان والبر وسائر اللحوم غير المذكاة. وإذا تزوج رجل امرأة لا مال لها فمهرها خدمة الولي سنة. والقصاص عندهم مشروع والجروح مضمونة بالارش فإن أخذ الارش ومات بالجراحة هدر دمه. وملكهم ينكر الشر أشد الانكار ولا يرضى به ومن شرط ملكهم أن لا يتزوج فإن تزوج قتل! هم أمة عظيمة من الترك بلادهم متاخمة لبلاد الصقالبة حكى المقدسي أنهم في جزيرة وبيئة تحيط بها بحيرة هي حصنهم وتمنع عنهم عدوهم. قال أحمد بن فضلان في رسالته: رأيت الروسية وقد وافوا بتجاراتهم على نهر آتل فلم أر أتم بدناً منهم كأنهم النخل شقر بيض لهم شريعة ولغة مخالفة لسائر الترك لكنهم أندر خلق الله لا يتنظفون ولا يحترزون عن النجاسات. ومن عادة ملكهم أن يكون في قصر رفيع كبير ومعه أربعمائة رجل من خواصه أهل الثقة عنده يجلسون تحت سريره. وله سري عظيم مرصع بالجواهر يجلس معه عليه أربعون جارية لفراشه وربما يطأ واحدة بحضور أصحابه ولا ينزل عن سريره البتة. فإن أراد قضاء الحاجة يقرب إليه الطشت وإن أراد الركوب تقرب الدابة إلى جنب السرير وله خليفة يسوس الجيوش ويدبر أمر الرعية ويواقع الأعداء. ومن عاداتهم أن من ملك عشرة آلاف درهم اتخذ لزوجته طوقاً من ذهب وإن ملك عشرين ألفاً اتخذ طوقين وعلى هذا فربما كان في رقبة واحدة أطواق كثيرة وإذا وجدوا سارقاً علقوه في شجرة طويلة وتركوه حتى يتفتت! بلاد الروم هم أمة عظيمة وهم سكان غربي الإقليم الخامس والسادس قالوا: هم من نسل عيصو بن إسحق بن إبراهيم عليه السلام. بلادهم واسعة ومملكتهم عظيمة منها الرومية والقسطنطينية. بلادهم بلاد برد لدخولها في الشمال وهي كثيرة الخيرات وافرة الثمرات كيرة البهائم من الدواب والمواشي. وكانوا في قديم الزمان على دين الفلاسفة إلى أن ظهر فيهم دين النصارى. ومن عاداتهم الخروج في أعيادهم بالشعانين والسباسب والدنح بالزينة للهو والطرب والمأكول والمشروب صغيرهم وكبيرهم وفقيرهم وغنيهم على قدر مكنته وقدرته. ومن عاداتهم إخصاء أولادهم ليكونوا من سدنة بيوت عبادتهم لكنهم لا يتعرضون للقضيب ويحدثون الخصي بالأنثيين لأنهم كرهوا لرهبانهم احبال نسائهم. وأما قضاء الوطر فلا يكرهونه وقيل: ان الخصي يبلغ في ذلك مبلغاً لا يبلغه الفحول لأنه يستحلب لفرط المداومة جميع ما عند المرأة ولا يفتر فإذا تزوج أحدهم وأراد الزفاف تحمل المرأة إلى القس حتى يكون القس مفترعها وينالها بركته والزوج أيضاً يمشي معها ليعلم أن الاقتضاض حصل بفعل القس! وملوك الروم وهم القياصرة كانوا من أوفر الملوك علماً وعقلاً وأتمهم رأياً وأكثرهم عدداً وعدداً وأوسعهم مملكة وأكثرهم مالاً ومن عاداتهم أن لا يأخذوا عدوهم مغافصة بل إذا أرادوا غزو بلاد كتبوا إلى صاحبها: نحن قاصدون بلادك في السنة الآتية فاستعد وتأهب لالتقائنا! أمة عظيمة من الترك وهم نصارى كانوا في طاعة سلاطين بني سلجوق إلى زمن سنجر بن ملكشاه فبعث إليهم من يستوفي الخراج منهم فتجاوز الجابي للخراج في الرسم والعادة فضربه ملكهم وكان اسمه طوطى بك فمات الجابي فبعث إلى السلطان يتعذر والسلطان وافق على قبول عذره لكن الحواشي أرادوا النهب والسبي وتحصيل المال قالوا: هؤلاء لا يقبل عذرهم فإنه إهانة بالسلطان وجرأة عليه فلنوقع بهم حتى لا يقدم غيرهم على مثل هذا الفعل القبيح! فذهب السلطان بعساكره إليهم فتضرعوا وتذللوا وقالوا للسلطان: ارحم عوراتنا وذرياتنا وخذ منا دية المقتول أضعافاً مضاعفة وضاعف علينا الخراج فلان السلطان وأبى أصحابه. فلما أيسوا من أمنهم تأهبوا للقتال وقالوا: نحن كلنا مقتولون فلا نقتل إلا في المعركة بعدما قتل كل منا بدله! فركبوا برجالهم ونسائهم وحملوا على المسلمين حملة رجل واحد وكشفوهم كشفاً قبيحاً وهزموهم وأخذوا السلطان ودخلوا بلاد خراسان وخربوها ونهبوا وسبوا. وكان ذلك سنة ثمان وأربعين وخمسمائة والسلطان بقي في أسرهم سنة ثم هرب. وحكى مسعر بن مهلهل أن لهم مدينة من الحجارة والخشب والقصب ولهم بيت عبادة ولهم تجارات إلى الهند والصين. ومأكولهم البر ولحم الغنم وملبوسهم الكتان والفراء. بها حجر أبيض ينفع من القولنج وحجر أحمر إذا أمر على النصل لم يقطع شيئاً. وبلادهم بلاد كيماك هم قوم من الترك بلادهم مسيرة خمسة وثلاثين يوماً وبيوتهم من جلود الحيوان. مأكولهم الحمص والباقلى ولحم الذكران من الضأن والمعز ولا يأكلون الاناث. بها عنب نصف الحبة أبيض ونصفها أسود وبها حجارة يستمطر بها متى شاؤوا. وعندهم معادن الذهب في سهل من الأرض يجدونه قطاعاً. وعندهم الماس يكشف عنه السيل. وعندهم نبات ينوم ويخدر. وليس لهم ملك ولا بيت عبادة. ولهم قلم يكتبون به. ومن يجاوز منهم ثمانين سنة عبدوه إلا أن يكون به عاهة. بها جبل يسمى منكور به عين في حفرة قال أبو الريحان الخوارزمي في كتابه الآثار الباقية: إن هذه الحفرة مقدار ترس كبير وقد استوى الماء على حافاتها فربما يشرب منه عسكر كثير لا ينقص مقدار إصبع وعند هذه العين صخرة عليها أثر رجل إنسان وأثر كفيه بأصابعهما وأثر ركبتيه كأنه كان ساجداً وأثر قدم صبي وحوافر حمار. والأتراك الغزية يسجدون لها إذا رأوها لأنهم نصارى ينسبونه إلى عيسى عليه السلام.
هي بلدة من بلاد الترك آهلة غناء أهلها مسلمون ونصارى ويهود ومجوس وعبدة الأصنام ولهم أعياد كثيرة لأن لكل قوم عيداً مخالفاً للآخرين. ومسيرة مملكة بهى أربعون يوماً. ولهم ملك عظيم ذو قوة وسياسة يسمى بهى. بها حجارة تنفع من الرمد وحجارة تنفع من الطحال وعندهم نيل جيد أخبر بهذه كلها أعني بلاد الترك وقبائلها مسعر بن مهلهل فإنه كان سياحاً رآها كلها. بيقر قلعة حصينة من أعمال شروان. على هذه القلعة صور وتماثيل من الحجر لم تعرف فائدتها لتقادم عهدها. وبها دار الإمارة مكتوب على بابها: في هذه الدار أحد عشر بيتاً والداخل لا يرى إلا عشرة بيوت وإن بذل جهده والحادي عشر وضع على وجه لا يعرفه أحد لأن فيه خزانة الملك. تركستان قد ذكرنا أن كل إقليم من الأقاليم السبعة شرقية مساكن الترك وبلادهم ممتدة من الإقليم الأول إلى السابع عرضاً في شرقي الأقاليم وقد بينا أنهم أمة عظيمة ممتازة عن سائر الأمم بالجلادة والشجاعة وقساوة القلب ومشابهة السباع والغالب على طباعهم الظلم والعسف والقهر ولا يرون إلا ما كان غصباً لطبع السباع وهمهم شن غارة أو طلب ظبي أو صيد طير. وعندهم من كبر انه لو سبي أحدهم وتربى في العبودية فإذا بلغ أشده يريد أن يكون زعيم عسكر سيده بل يريد أن يخالفه ويقوم مقامه وينسى حق التربية والانعام السابق. ونفوس الترك نفوس مائلة إلى الشر والفساد الذي هو طاعة الشيطان فترى أكثرهم عبدة الأصنام أو الكواكب أو النيران أو نصارى وما فيهم عجيب يذكر إلا سحرهم واستمطارهم المطر بالحجر الذي يرمونه في الماء وذكر انه من خاصية الحجر وقد مر ذكره مبسوطاً. حكى صاحب تحفة الغرائب أن بأرض الترك جبلاً لقوم يقال لهم زانك وهم ناس ليس لهم زرع ولا ضرع وفي جبالهم ذهب وفضة كثيرة وربما توجد قطعة كرأس شاة فمن أخذ القطاع الصغار ينتفع بها ومن أخذ القطاع الكبار يموت الآخذ وأهل كل بيت تلك القطعة فيه فإن ردها إلى مكانها انقطع الموت عنهم ولو أخذه الغريب لا يضره شيء. وحكي أن بتركستان جبلاً يقال له جبل النار فيه غار مثل بيت كبير كل دابة تدخله تموت في الحال.مدينة بأرض الفرنج مبنية بالحجارة المهندمة على نهر شعنة. لا تفلح بها الكروم والشجر أصلاً لكن يكثر بها القمح والسلت يخرج من نهرها حوت يسمونه سلمون وحوت آخر صغير طعمه ورائحته كطعم القثاء وذكر أن هذا الحوت يوجد في نيل مصر أيضاً ويسمى العير. وحكى الطرطوشي أنه رأى برذوم حدثاً بلغت لحيته ركبتيه فمشطها فهبطت عن ركبتيه بأربع أصابع وكان خفيف العارضين فحلف انه لم يكن على وجهه شعر قبل ذلك بستة أعوام ! وحكي انه يخرج في الشتاء برذوم عند البرد الشديد نوع من الاوز أبيض أحمر الأرجل والمناقير يسمى عايش وهذا النوع لا يتفرخ إلا في جزيرة عاهق وهي غير مسكونة فربما انكسرت المراكب في البحر فمن تعلق بهذه الجزيرة يقتات ببيض هذا الطير وفراخه الشهر والشهرين.
مدينة رئاسة الروم وعلمهم. وهي في شمالي غربي القسطنطينية وبينهما مسيرة خمسين يوماً وهي في يد الفرنج ويقال لملكهم ملك المان. وبها يسكن البابا الذي تطيعه الفرنج وهو عندهم ومدينة رومية من عجائب الدنيا لعظم عمارتها وكثرة خلقها خارج عن العادة إلى حد لا يصدقه السامع ذكر الوليد بن مسلم الدمشقي أن استدارة رومية أربعون ميلاً في كل ميل منها باب مفتوح فمن دخل من الباب الأول يرى سوق البياطرة ثم يصعد درجاً فيرى سوق الصيارفة والبزازين ثم يدخل المدينة فيرى في وسطها برجاً عظيماً واسعاً في أحد جانبيه كنيسة قد استقبل بمحرابها المغرب وببابها المشرق وفي وسط البرج بركة مبطنة بالنحاس يخرج منها ماء المدينة كله. حكي أن في وسطها عموداً من حجارة عليه صورة راكب على بعير يقول أهل المدينة: إن الذي بنى هذه المدينة يقول لا تخافوا على مدينتكم حتى يأتيكم قوم على هذه الصفة فهم الذين يفتحونها! وثلاثة جوانب المدينة في البحر والرابع في البر ولها سوران من رخام وبين السورين فضاء طوله مائتا ذراع وعرض السور ثمانية عشر ذراعاً وارتفاعه اثنان وستون ذراعاً. بها نهر بين السورين يدور ماؤه في جميع المدينة وهو ماء عذب يدور على بيوتهم ويدخلها وعلى النهر قنطرة بدفوف النحاس كل دفة منها ستة وأربعون ذراعاً. إذا قصدهم عدو رفعوا تلك الدفوف فيصير بين السورين بحر لا يرام وعمود النهر ثلاثة وتسعون ذراعاً في عرض ثلاثة وأربعين ذراعاً وبين باب الملك إلى باب الذهب اثنا عشر ميلاً وسوق ممتد من شرقيها إلى غربيها بأساطين النحاس وسقفه أيضاً نحاس وفوقه سوق آخر في الجميع التجار وأصحاب الأمتعة. وذكر أن بين يدي هذا السوق سوقاً آخر على أعمدة نحاس كل عمود منها ثلاثون ذراعاً. وبين هذه الأعمدة نقير من نحاس في طول السوق من أوله إلى آخره فيه لسان من البحر تجري فيه السفن فتجيء السفينة في هذه النقرة وفيه الأمتعة حتى تجتاز على السوق بين يدي التجار فتقف على تاجر تاجر فيختار منها ما يريد ثم ترجع إلى البحر. وبها كنيسة داخل المدينة بنيت على اسم مار بطرس ومار بولس وهما مدفونان فيها يقصدهما الروم ولهم فيهما اعتقاد عظيم ويذكرون عنهما أشياء عجيبة. وطول هذه الكنيسة ألف ذراع في خمسمائة ذراع في سمك مائتي ذراع. وبها كنيسة أخرى بنيت باسم اصطافنوس رأس الشهداء. طولها ستمائة ذراع في عرض ثلاثمائة ذراع في سمك مائة وخمسين ذراعاً. وسقوف هذه الكنيسة وحيطانها وأرضها وبيوتها وكواها كلها حجر واحد. وفي المدينة كنائس كثيرة. وفيها عشرة آلاف دير للرجال والنساء وحول سورها ثلاثون ألف عمود للرهبان. وفيها اثنا عشر ألف زقاق يجري في كل زقاق منها نهران: أحدهما للشرب والآخر للحشوش. وفيها اثنا عشر ألف سوق في كل سوق قبانان وأسواقها كلها مفروشة بالرخام الأبيض منصوبة على أعمدة النحاس مطبقة بدفوف النحاس. وفيها ستمائة وستون ألف حمام. وإذا كان وقت الزوال يوم السبت ترك جميع الناس أشغالهم في جميع الأسواق إلى غروب الشمس يوم الأحد وهو عيد النصارى. وبها مجامع لمن يلتمس صنوف العلم من الطب والنجوم والحكمة والهندسة وغير ذلك قالوا: انها مائة وعشرون موضعاً. وبها كنيسة صهيون. شبهت بصهيون بيت المقدس طولها فرسخ في عرض فرسخ في سمك مائتي ذراع ومساحة هيكلها ستة أجربة. والمذبح الذي يقدس عليه القربان من زبرجد أخضر طوله عشرون ذراعاً في عرض عشرة أذرع يحمله عشرون تمثالاً من ذهب طول كل تمثال ثلاثة أذرع أعينها يواقيت حمر وفي الكنيسة ألف ومائتا أطسوانة من المرمر الملمع ومثلها من النحاس المذهب طول كل أسطوانة خمسون ذراعاً لكل أسطوانة رجل معروف من الأساقفة. ولها ألف ومائتا باب كبار من النحاس الأصفر المفرغ وأربعون باباً من الذهب وأما الأبواب من الآبنوس والعاج فكثيرة. وفيها مائتا ألف وثلاثون ألف سلسلة من ذهب معلق من السقف ببكر تعلق منها القناديل سوى القناديل التي تسرج يوم الأحد. وبها من الأساقفة والشمامسة وغيرهم ممن يجري عليه الرزق من الكنيسة خمسون ألفاً كلما مات واحد قام مقامه آخر. وفيها عشرة آلاف جرة وعشرة آلاف خوان من ذهب وعشرة آلاف كاس وعشرة آلاف مسرجة من ذهب. والمنائر التي تدار حول المذبح سبعمائة منارة كلها ذهب وفيها من الصلبان التي تقوم يوم الشعانين ثلاثون ألف صليب وأما صلبان الحديد والنحاس المنقوشة والمموهة فمما لا يحصى ومن المصاحف الذهبية والفضية عشرة آلاف مصحف. وقد مثل في هذه الكنيسة صورة كل نبي بعث من وقت آدم إلى عيسى عليه السلام وصورة مريم عليها السلام كان الناظر إذا نظر إليهم يحسبهم أحياء. وفيها مجلس الملك حوله مائة عمود على كل عمود صنم في يد كل صنم جرس عليه اسم أمة من الأمم جميعاً. زعموا أنها طلسمات إذا تحرك صنم عرفوا ان ملك تلك الأمة يريدهم فيأخذون حذرهم. وبها طلسم الزيتون بين يدي هذه الكنيسة صحن يكون خمسة أميال في مثلها في وسطه عمود من نحاس ارتفاعه خمسون ذراعاً وهو كله قطعة واحدة وفوقه تمثال طائر يقال له السوداني من ذهب على صدره نقش وفي منقاره شبه زيتونة وفي كل واحدة من رجليه مثل ذلك. فإذا كان أوان الزيتون لم يبق طائر في تلك الأرض إلا أتى وفي منقاره زيتونة وفي رجليه زيتونتان يلقيها على ذلك الطلسم فزيت أهل رومية وزيتونهم من ذلك قالوا: هذا من عمل بليناس صاحب الطلسمات. وعلى هذا الطلسم أمناء وحفظة من قبل الملك وأبواب مختومة فإذا ذهب أوان الزيتون وامتلأ الصحن من الزيتون يجتمع الأمناء ويعطي الملك البطارقة منه ومن يجري مجراهم على قدرهم ويجعل الباقي لقناديل الكنيسة. وهذه القصة أعني طلسم الزيتون رأيتها في كتب كثيرة قلما تترك في شيء من عجائب البلاد. وقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: من عجائب الدنيا شجرة برومية من نحاس عليها صورة سودانية في منقارها زيتونة فإذا كان أوان الزيتون صفرت فوق الشجرة فيوافي كل طير في تلك الأرض من جنسها ثلاث زيتونات في منقاره ورجليه ويلقيها على تلك الشجرة فيعصرها أهل رومية فتكفيهم لقناديل بيعهم وأكلهم جميع الحول. وبها طلسم آخر وهو أنه في بعض كنائسهم نهر يدخل من خارج المدينة وفيه من الضفادع والسلاحف والسرطانات شيء كثير وعلى الموضع الذي يدخله الماء من الكنيسة صورة صنم من حجارة في يده حديدة معتقة كأنه يريد أن يتناول بها شيئاً من الماء فإذا انتهت إليه هذه الحيوانات المؤذية رجعت ولم يدخل الكنيسة شيء منها البتة. وهذه كلها منقولة من كتاب ابن الفقيه وهو محمد بن أحمد الهمذاني وأعجب من هذه كلها أن مدينة هذه صفتها من العظم ينبغي أن تكون مزارعها وضياعها إلى مسيرة أشهر وإلا لا يقوم بميرة أهلها. وذكر قوم من بغداد أنهم شاهدوا هذه المدينة قالوا: انها في العظم والسعة وكثرة الخلق مما يقارب هذا والذي لم يرها يشكل عليه. وحكي أن أهل رومية يحلقون لحاهم ووسط هاماتهم فسئلوا عن ذلك فقالوا: لما جاءهم شمعون الصفا والحواريون دعوهم إلى النصرانية فكذبوهم وحلقوا لحاهم ورؤوسهم فلما ظهر لهم صدق قولهم ندموا على ما فعلوا وحلقوا لحى أنفسهم ورؤوسهم كفارة لذلك. زره كران معناه صناع الدرع: قريتان فوق باب الأبواب على تل عال وحواليه قرى ومزارع ورساتيق وجبال وآجام. أهلها طوال القدود شقر الوجوه خزر العيون ليس لهم صنعة سوى عمل الدروع والجواشن. وهم أغنياء أسخياء يحبون الغرباء لا سيما من يعرف شيئاً من العلوم أو الخط أو يعرف شيئاً من الصناعات ولا يقبلون الخراج لأحد لحصانة موضعهم. وليس لهم ملة ولا مذهب. وفي كل قرية من تلك القرى بيتان كبيران تحت الأرض مثل السراديب: أحدهما للرجال والآخر للنساء.وفي كل بيت عدة رجال معهم سكاكين فإذا مات أحدهم فإن كان رجلاً حملوه إلى بيت الرجال وإن كانت امرأة إلى بيت النساء فيأخذه أولئك الرجال ويقطعون أعضاءه ويعرقون ما عليها من اللحم ويخرجون ما فيها من النقي ثم يجمعون تلك العظام وما فيها من بلل ولا درن في كيس إن كان من الأغنياء في كيس ديباج وإن كان من الفقراء في كيس خام ويكتبون على الكيس اسم صاحب العظام واسم أبويه وتاريخ ولادته ووقت موته ويعلقون الكيس في تلك البيوت ويأخذون لحم الرجال إلى تل خارج القرية وعليه الغربان السود فيطعمونها ذلك اللحم ولا يخلون طيراً آخر يأكله فإن جاء طير آخر ليأكله رموه بالنشاب ويأخذون لحم النساء إلى مكان آخر ويطعمون الحدأة ويمنعون غيرها من الطيور. وحكى أبو حامد الأندلسي أنه سمع أهل دربند أنهم جهزوا ذات مرة العساكر وذهبوا إلى زره كران فذهبوا حتى دخلوا القرية فخرج من تحت الأرض رجال دخلوا تلك البيوت فهبت ريح عاصف وجاء ثلج كثير حتى لم يعرف أحد من تلك العساكر صاحبه فجعل بعضهم يقتل بعضاً وضلوا عن الطريق وهلك منهم خلق كثير ونجا بعضهم بعدما عاينوا الهلاك. وذكروا أن صاحب شروان وكان ملكاً جباراً صاحب شوكة وقوة قصدهم ذات يوم طمعاً فيهم فأصابه مثل ما أصاب أصحاب دربند فامتنع الملوك عن غزوهم.قيل: يأجوج ومأجوج ابنا يافث بن نوح عليه السلام. وهما ولدا خلقاً كثيراً فصاروا قبيلتين لا يعلم عددهم إلا الله. روى الشعبي أن ذا القرنين سار إلى ناحية يأجوج ومأجوج فاجتمع إليه خلق كثير وقالوا: أيها الملك المظفر إن خلف هذا الجبل خلقاً لا يعلم عددهم إلا الله يخربون علينا بلادنا وياكلون ثمارنا وزروعنا! قال: وما صفتهم قالوا: قصار ضلع عراض الوجوه. قال: وكم صنفاً قالوا: أمم كثيرة لا يحصيهم إلا الله! ثم قالوا: هل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً معناه تجمع من عندنا مالاً تصرفه في حاجز بيننا وبينهم ليندفع عنا أذاهم. فقال الملك: لا حاجة إلى مالكم فإن الله أعطاني من المكنة ما لا حاجة معها إلى مالكم لكن ساعدوني بالآلة والرجال وأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً. فأمر بالحديد فأذيب واتخذ منه لبناً عظاماً وأذاب النحاس واتخذه ملاطاً لذلك اللبن وبنى به الفج الذي كانوا يدخلون منه فسواه مع قلتي الجبل فصار شبيهاً بالمصمت. وروي أن ذا القرنين إنما عمر السد بعد رجوعه عنهم فتوسط أرضهم ثم انصرف إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما وهو مقطع أرض الترك فوجد ما بينهما مائة فرسخ فحفر له أساساً بلغ به الماء وجعل عرضه خمسين فرسخاً وجعل حشوه الصخور وطينه بالنحاس المذاب فصب عليه وصار عرقاً من جبل تحت الأرض ثم علاه وشرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب وجعل خلاله عرقاً من نحاس ومن الأخبار المشهورة حديث سلام الترجمان قال: إن الواثق بالله رأى في المنام أن السد الذي بناه ذو القرنين بيننا وبين يأجوج ومأجوج مفتوح فأرعبه هذا المنام فأحضرني وأمرني بالمشي إلى السد والنظر إليه والرجوع إليه بالخبر وضم إلي خمسين رجلاً ووصلني بخمسة آلاف درهم وأعطاني ديتي عشرة آلاف درهم ومائتي بغل تحمل الزاد والماء. قال: فخرجنا من سر من رأى بكتاب إلى صاحب أرمينية إسحق بن إسماعيل وكان إسحق بمدينة تفليس فأمره بإنفاذنا وقضاء حوائجنا فكتب إسحق إلى صاحب السرير وصاحب السرير كتب إلى طرخان صاحب اللان وصاحب اللان إلى فيلانشاه وفيلانشاه كتب إلى ملك الخزر وملك الخزر بعث معنا خمسة نفر من الأدلاء. فسرنا ستة وعشرين يوماً فوصلنا إلى أرض سوداء منتنة الرائحة وكنا حملنا معنا خلاً لنشمه لدفع غائلة رائحتها بإشارة الادلاء وسرنا في تلك الأرض عشرة ايام ثم صرنا في بلاد خراب مدنها. فسرنا فيها سبعة وعشرين يوماً فسألنا الادلاء سبب خرابها فقالوا: خربها يأجوج ومأجوج. ثم صرنا إلى حصن قريب من الجبل الذي يقوم السد في بعض شعابه ومنه جزنا إلى حصن آخر وبلاد ومدن فيها قوم مسلمون يتكلمون بالعربية والفارسية ويقرأون القرآن ولهم مساجد فسألونا: من أين أقبلتم وأين تريدون فأخبرناهم أنا رسل الأمير. فأقبلوا يتعجبون ويقولون: أشيخ أم شاب قلنا: شاب. فقالوا: أين يسكن قلنا: بأرض العراق في مدينة يقال لها سر من رأى. فقالوا: ما سمعنا بهذا قط. ثم ساروا معنا إلى جبل أملس ليس عليه شيء من النبات وإذا هو مقطوع بواد عرضه مائة وخمسون ذراعاً فإذا عضادتان مبنيتان مما يلي الجبل من جنبتي الوادي عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعاً الظاهر من ثخنها عشرة أذرع خارج الباب كله مبني بلبن حديد مغيب في نحاس في سمك خمسين ذراعاً وإذا دروند حديد طرفاه في العضادتين طوله مائة وعشرون ذراعاً قد ركب على العضادتين على كل واحد مقدار عشرة أذرع في عرض خمسة أذرع. وفوق الدربند بناء باللبن الحديد والنحاس إلى رأس الجبل. وارتفاعه مد البصر وفوق ذلك شرف حديد في طرف كل شرف قرنان ينثني كل واحد منهما إلى صاحبه وإذا باب حديد مصراعان مغلقان عرض كل مصراع ستون ذراعاً في ارتفاع سبعين ذراعاً في ثخن خمسة أذرع وقائمتان في دوارة على قدر الدربند وعلى الباب قفل طوله سبعة أذرع في غلظ باع وارتفاع القفل من الأرض خمسة وعشرون ذراعاً وفوق القفل نحو خمسة أذرع غلق طوله أكثر من طول القفل وعلى الغلق مفتاح مغلق طوله سبعة أذرع له أربعة عشر دندانكاً كل دندانك أكبر من دستج الهاون مغلق في سلسلة طولها ثمانية أذرع في استدارة أربعة أشبار والحلقة التي فيها السلسلة مثل حلقة المنجنيق وارتفاع عتبة الباب عشرة أذرع في بسط مائة ذراع سوى ما تحت العضادتين والظاهر منها خمسة أذرع وهذا الذرع كله ذراع السواد. ورئيس تلك الحصون يركب كل يوم جمعة في عشرة فوارس مع كل فارس مرزبة حديد يدقون الباب ويضرب كل واحد منهم القفل والباب ضرباً قوياً مراراً ليسمع من وراء الباب ذلك فيعلمون أن هناك حفظة ويعلم هؤلاء أن أولئك لم يحدثوا في الباب حدثاً. وإذا ضربوا الباب وضعوا آذانهم فيسمعون وراء الباب دوياً عظيماً. وبالقرب من السد حصن كبير يكون فرسخاً في مثله يقال انه كان يأوي إليه الصناع زمان العمل. ومع الباب حصنان يكون كل واحد منهما مائتي ذراع في مثلها وعلى باب هذين الحصنين شجر كبير لا يدرى ما هو وبين الحصنين عين عذبة وفي أحد الحصنين آلة البناء الذي بني به السد من قدر الحديد والمغارف وهناك بقية اللبن الحديد وقد التصق بعضه ببعض من الصدإ واللبنة ذراع ونصف في سمك شبر. قال: فسألنا أهل تلك البلاد هل رأيتم أحداً من يأجوج ومأجوج فذكروا أنهم رأوا منهم عدداً فوق الشرف ذات مرة فهبت ريح سوداء فألقتهم إلينا فكان مقدار الواحد منهم في رأي العين شبراً ونصفاً. فهممنا بالانصراف فأخذنا الادلاء نحو جهة خراسان فسرنا حتى خرجنا خلف سمرقند بسبعة فراسخ وأخذنا طريق العراق حتى وصلنا. وكان من خروجنا سقسين بلدة من بلاد الخزر عظيمة آهلة ذات أنهار وأشجار وخيرات كثيرة. ذكروا أن أهلها أربعون قبيلة من الغز. وفي المدينة من الغرباء والتجار ما لا يحصى عددهم والبرد عندهم شديد جداً ولكل واحد دار فيحاء كبيرة وفي الدار خرقاه مغطاة باللبود من البرد. وأهلها مسلمون أكثرهم على مذهب الإمام أبي حنيفة ومنهم من هو على مذهب الإمام الشافعي. وفيها جوامع لكل قوم جامع يصلون فيه ويوم العيد تخرج منابر لكل قوم منبر يخطبون عليه ويصلون مع إمامهم. والشتاء عندهم شديد جداً. وسقوف أبنيتهم كلها من خشب الصنوبر. بها نهر عظيم أكبر من دجلة وفيه من أنواع السمك ما لم يشاهده أحد في غيره يكون السمك حمل جمل وفيها صغار لا شوك فيها كأنها الية الحمل محشوة بلحم الدجاج بل أطيب ويشترى من هذا السمك مائة من بنصف دانق يخرج من بطنها دهن يكفي للسراج شهراً ويحصل منها الغراء نصف من وأكثر. وإن قدد يكون من أحسن قديد. ومعاملات أهل سقسين على الرصاص كل ثلاثة أمنان بالبغدادي بدينار ويشترون بها ما شاؤوا كالفضة في بلادنا. والخبز واللحم عندهم رخيص تباع الشاة بنصف دانق والحمل حكى الغرناطي أن نهرهم قد جمد عند الشتاء وأنا مشيت عليه فكان عرضه ألف خطوة وثمانمائة ونيفاً وأربعين.
بليدة بناحية باب الأبواب.بها جب بيجن وإنها جب عميقة. لما ظفر افراسياب ملك الترك ببيجن مقدم الفرس كره أن يقتله لكثرة ما نال منه في الوقائع وأراد تعذيبه فكبله وحبسه في هذه الجب وألقى على رأسها صخرة عظيمة فذهب رستم الشديد إليها خفية وسرقه ورفع الصخرة من رأس الجب ورمى بها وأتى به إلى بلاد الفرس وعاد بيجن إلى ما كان يأخذ العساكر ويوقع بالترك ويبليهم بالبلاء. والصخرة التي كانت على رأس الجب ملقاة هناك يتعجب الناس من كبرها ورفع رستم إياها. وبها دجلة الخنازير التي جرى ذكرها في كتاب شاه نامه في قصة بيجن.
ناحية قرب باب الأبواب قالوا: عمرها أنوشروان كسرى الخير فسميت باسمه وأسقط شطرها تخفيفاً. وهي ناحية مستقلة بنفسها يقال لملكها اخستان. ذهب بعضهم إلى أن قصة موسى والخضر عليهما السلام كانت بها وان الصخرة التي نسي يوشع عليه السلام الحوت عندها بشروان والبحر بحر الخزر والقرية التي لقيا فيها غلاماً فقتله قرية جيران والقرية التي استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه باجروان وهذه كلها من نواحي أرمينية قرب الدربند ومن الناس من يقول انها كانت بأرض افريقية. وبها أرض مقدار شوط فرس يخرج منها بالنهار دخان وبالليل نار إذا غرزت في هذه الأرض خشبة احترقت والناس يحفرون فيها حفراً ويتركون قدورهم فيها باللحم والأبازير فيستوي نضجها حدثني بهذا بعض فقهاء شروان. وبها نبات عجيب يسمى خصى الثعلب حكى الشيخ الرئيس أنه رآه بها وهو يشبه خصيتين إحداهما ذابلة والأخرى طرية ذكر أن من عرضه عليه قال: الذابلة تضعف قوة الباه والطرية تعين عليها. ينسب إليها الحكيم الفاضل أفضل الدين الخاقاني كان رجلاً حكيماً شاعراً. اخترع صنفاً من الكلام انفرد به وكان قادراً على نظم القريض جداً محترزاً عن الرذائل التي تركبها الشعراء محافظاً على المروءة والديانة حتى ان صاحب شروان أراد رجلاً يستعمله في بعض أشغاله فقال له وزيره: ما لهذا الشغل مثل الخاقاني! فطلبه وعرضه عليه فأبى وقال: إني لست من رجال هذا الشغل! فقال الوزير: الزمه به إلزاماً! فحبسه على ذلك فبقي في الحبس أياماً لم يقبل فقال الملك للوزير: حبسته وما جاء منه شيء! فقال الوزير: ما عملت شيئاً حبسته في دار خالية وحده وهو ما يريد إلا هذا احبسه في حبس الجناة! فحبسه مع السراق والعيارين فيأتيه أحدهم يقول: على أي ذنب حبست ويأتيه الآخر يقول: انشدني قصيدة! فلما رأى شدة الحال ومقاساة الأغيار يوماً واحداً بعث إلى الملك: إني رضيت بكل ما أردت كل شيء ولا هذا! فأخرجه وولاه ذلك الشغل.
مدينة عظيمة جداً على طرف البحر المحيط.وفي داخلها عيون ماء عذب. أهلها عبدة الشعرى إلا قليلاً وهم نصارى لهم بها كنيسة. حكى الطرطوشي: لهم عيد اجتمعوا فيه كلهم لتعظيم المعبود والأكل والشرب ومن ذبح شيئاً من القرابين ينصب على باب داره خشباً ويجعل القربان عليه بقراً كان أو كبشاً أو تيساً أو خنزيراً حتى يعلم الناس انه يقرب به تعظيماً لمعبوده. والمدينة قليلة الخير والبركة. أكثر مأكولهم السمك فإنه كثير بها. وإذا ولد لأحدهم أولاد يلقيهم في البحر ليخف عليه نفقتهم.وبها كحل مصنوع إذا اكتحلوا به لا يزول أبداً ويزيد الحسن في الرجال والنساء وقال: لم أسمع غناء أقبح من غناء أهل شلشويق. وهي دندنة تخرج من حلوقهم كنباح الكلاب وأوحش منه.
بليدة من بلاد لكزان على طرف جبل شاهق جداً لا طريق إليها إلا من أعلى الجبل فمن أراد أن يأتيها أخذ بيده عصا وينزل يسيراً يسيراً من شدة هبوب الريح لئلا تسفره الريح. والبرد عندهم في غاية الشدة سبعة أشهر. فيها كلبة وينبت عندهم نوع من الحب يقال له السلت وشيء من التفاح الجبلي. وأهلها أهل الخير والصلاح والضيافة للفقراء والإحسان إلى الغرباء وصنعتهم عمل الأسلحة كالدروع والجواشن وغيرها من أنواع الأسلحة. ظاخر مدينة كبيرة آهلة على ست مراحل من جنزة وهي قصبة بلاد لكزان. البرد بها شديد جداً. حدثني الفقيه يوسف بن محمد الجنزي أن ماءها من نهر يسمى ثمور يكون جامداً في الشتاء والصيف يكسرون الجمد ويسقون الماء من تحته فإذا اسقوا وجعلوه في جرة تركوها في غطاء من جلد الغنم لئلا يجمد في الحال. وقوتهم من حب يقال له السلت يشبه الشعير في صورته وطبعه طبع الحنطة ولا تجارة عندهم ولا معاملة بل كل واحد يزرع من هذا الحب قدر كفايته ويتقوت به وبدر غنيمات له ورسلها ويلبس من صوفها. ولا رئيس بل عندهم خطيب يصلي بهم وقاض يفصل الخصومات بينهم على مذهب الإمام الشافعي وأهل المدينة كلهم شافعية بها مدرسة بناها الوزير نظام الملك الحسن بن علي بن إسحق وفيها مدرس وفقهاء وشرط لكل فقيه فيها كل شهر رأس غنم وقدر من السلت وذكر أنهم نقلوا مختصر المزني إلى لغة اللكزية وكذلك كتاب الإمام الشافعي ويشتغلون بهما. فاراب ولاية في تخوم الترك بقرب بلاد ساغو مقدارها في الطول والعرض أقل من يوم إلا أن بها منعة وبأساً. وهي أرض سبخة ذات غياض. ينسب إليها الأديب الفاضل إسماعيل بن حماد الجوهري صاحب كتاب صحاح اللغة وكذلك خاله إسحق بن إبراهيم صاحب ديوان الأدب ومن العجب أنهما كانا من أقصى بلاد الترك وصارا من أئمة العربية! فرغانة ناحية بما وراء النهر متاخمة لبلاد الترك كثيرة الخيرات وافرة الغلات قال ابن الفقيه: بناها أنوشروان كسرى الخير. نقل إليها من كل أهل بيت وسماها هرخانه بها جبال ممتدة إلى بلاد الترك وفيها من الأعناب والتفاح والجوز وسائر الفواكه ومن الرياحين الورد والبنفسج وغيرهما كلها مباح لا مالك لها وفيها وفي أكثر جبال ما وراء النهر الفستق المباح. وبها من المعادن معدن الذهب والفضة والزئبق والحديد والنحاس والفيروزج والزاج والنوشاذر والنفط والقير والزفت وبها جبل تحترق حجارته مثل الفحم يباع وإذا احترق يستعمل رماده في تبييض الثياب قال الاصطخري: لا أعرف مثل هذا الحجر في جميع الأرض. وبها عيون ماؤها يجمد في الصيف عند شدة الحر وفي الشتاء يكون حاراً جداً حتى يأوي إليها السوام لدفء موضعها.
|